خصائص وأهداف علم الاستشراف
مما لا شك فيه أن علم الاستشراف يحتاج إلى خصائص يتمتع بها وأهداف يسعى إلى تحقيقها و تساهم كلتاهما في بناء دراسات مستقبلية فعالة لبلوغ الأهداف المرجوة.
خصائص علم الاستشراف
أساسي :
هناك العديد من الخصائص الهامة التي يستوجب توافرها للقول عن الدراسة الاستشرافية أنها جيدة، كما أن هذه الخصائص لا تقتصر على منهج أو أسلوب محدد بعينه لبناء الدراسات الاستشرافية بل يتعدى ذلك لاختيار الأسلوب والمنهج بما يتماشى مع احتياجات الدراسة المراد تصورها واستشرافها. ومن أهمها نجد: [06][1]
النظرة الشمولية(Holistic): حتى نتمكن من بناء نظرة استشرافية متكاملة وشاملة لاقتصاد دولة ما، فإن ذلك يتطلب الإلمام بمختلف الأوضاع السياسية؛ التكنولوجية؛ التعليمية؛ البيئية؛ والسكانية؛ الثقافية؛ الاجتماعية؛ الاقتصادية.... وغيرها من المجالات وذلك من حيث تداخلها وتناسقها مع بعضها البعض ومدى انسجامها مع الكيان الإقليمي والعالمي.
الأخذ بعين الاعتبار للتعقيد (Complexity): من حيث محاولة الابتعاد قدر الإمكان عن تبسيط وتفكيك الظواهر محل الدراسة، والتعمق في فهم نسق العلاقات المتداخلة والمترابطة وحالة عدم اليقين التي يتكرر حدوثها باستمرار، بمعنى التعامل مع الظواهر في شكلها المركب ومحاولة فهم طريقة عمل كل جزء منها بشكل منفصل بغية الوصول في الأخير إلى إدراك توجه هذه الظاهرة حتى ولو تطلب ذلك اللجوء إلى مجالات معرفية متعددة.
التحليل المتقن للماضي والحاضر (Scanning the past and the present): وذلك من خلال القراءة الجيدة وإدراك لمجريات أحداث الماضي والوقوف على توجهاتها العامة السائدة وتحليل خبرات وتجارب الآخرين خاصة المختصين منهم ، إضافة إلى الوقوف على توجهات الأحداث الحالية في الحاضر خاصة تلك التي تطورت من الماضي إلى الحاضر أو التي جاءت كتوجهات معاكسة لتطور الأحداث في اتجاهها العام. وكل هذا يؤدي في النهاية إلى الاستفادة من التجارب واستيعاب الميكانيزمات التي تطورت بها التوجهات العامة وتتبع حركتها من أجل بناء مؤشرات استشرافية كفؤة.
التكامل بين الأساليب الكمية والكيفية في الاستشراف (Integration of the quantitative and qualitative approaches): حيث أن المزج بين كل من الأساليب الكمية والنوعية يساهم في بناء دراسات استشرافية جيدة تمكننا من بلوغ الأهداف المرجوة، فبإمكاننا مثلا شرح المخرجات الكمية باستخدام منهج كيفي أو الاعتماد على المخرجات الكيفية من أجل بناء مكون اعتمادا على الأسلوب الكمي أو العكس؛ أو دمج النتائج الكمية والنوعية. لأن الاعتماد على كل أسلوب بمنأى عن الآخر لن يساهم في خلق إضافة كبيرة للدراسات الاستشرافية وجعل التحليلات أكثر موثوقية.
الموضوعية(Objectivity) : ويقصد بها الحياد العلمي إذ عند القيام بالاستشراف ووضع مختلف التصورات والبدائل المتاحة يجب الابتعاد عن الانحياز لبديل دون آخر أو استبعاد البعض منها والتصريح بالنتيجة حتى ولو كان ذلك يتعارض مع المصلحة الشخصية للباحث.
العمل المشترك والانسجام الجماعي(Teamwork): إن بناء رؤى استشرافية واضحة ودقيقة تتطلب وجود فريق عمل كفؤ شامل لكل الاختصاصات قادر على الالتزام والانضباط؛ قادر على لتحكم في الذات والسيطرة على الأنا؛ قادر على بناء قنوات متينة من التواصل الفعال ما يخلق تناغم وتناسق بين المختصين ويخلق ميز إضافية تنعكس على جودة المخرجات من دراسات استشرافية.
التعلم الذاتي وتصحيح الانحرافات بشكل مستمر (Self Learning /correcting deviations): إن تبلور دراسة استشرافية جيدة لا يتم دفعة واحدة وإنما مرورا على عدة محطات ومشاهد يتطلب كل منها إيلاءها القدر الكافي من التحليل والتدقيق وتعميق الفهم بشكل متواصل، ما يتطلب أشخاص مستعدين لبدل الجهد اللازم سواء من أجل التكيف مع التعلم الذاتي وتلقي البدائل والاقتراحات والانتقاذات من الأطراف الفاعلة الأخرى، أو التفاعل مع مختلف الأطراف بالاعتماد على العديد من الوسائل وإشراكهم في رسم صورة أفضل للمستقبل، وفي خضم كل هذا يجب العمل بشكل دوري على تصحيح مختلف الاختلالات التي قد تبرز من خلال المتابعة المستمرة لاستشراف المستقبل وقد تؤثر سلبا على نتائجه مع مرور الوقت.
أهداف علم الاستشراف
أساسي :
لقد أصبح استشراف المستقبل ضرورة ملحة مع التغيرات المتسارعة والمتنامية والأحداث المتداخلة والمتلاحقة؛ إضافة إلى التطلعات المتزايدة، خاصة وأن الاستشراف يهدف بشكل أساسي لتوفير مدى زمني طويل لما نتخذه من قرارات في الحاضر هذه الأخيرة التي تتصف بالطابع المستقبلي ما يدل على الرشادة والعقلانية في اتخاذ القرارات. ومن حيث أن الدراسات الاستشرافية هي المفتاح الرئيسي لصناعة غد أفضل فمن أهم ما يسعى علم الاستشراف إلى تحقيقه نجد: [07][2]
يساعد على التنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها، وبالتالي إمكانية الاستعداد لمواجهتها والتعامل معها قبل استفحالها وإدراك الفرص التي يجب استغلالها، ومن ثم التهيؤ المبكر للمستقبل و/أو على الأقل المساهمة في صنعه.
المساهمة في إيجاد أنفسنا من خلال معرفة من نحن وماذا يمكننا أن نقدم من قدرات وموارد وطاقات كامنة وغير مرئية، والتي يمكن أن تتحول ضمن إطار علمي ممنهج إلى قدرات وموارد وطاقات فعلية، وهو بدوره ما يؤدي للإفصاح عن توجهات جديدة قادرة على بلوغ ما نسعى إليه من تنمية سريعة ومتواصلة مبنية على أسس دقيقة، وهو ما يجعل المجتمعات تخطو بكل ثقة نحو تصور وبناء مستقبل أفضل والاستعداد لمواجهة تحدياته.
تسهيل صياغة المسارات الممكنة والمتاحة وعقلانية الاختيار فيما بينها، من خلال التحليل العميق لكل مسار بغية الإفصاح عن ما يمكن أن يؤدي إليه كل مسار من نتائج أو ما يمكن أن يخلقه من تداعيات، وهو ما يساهم في إتاحة قاعدة معرفية للأشخاص والحكومات ومختلف الكيانات تساعدهم على اختيار مختلف البدائل والمسارات ( سياسية؛ اقتصادية؛ اجتماعية؛....) لرسم مستقبل أفضل.